شعار العنصر 14

العنصر 14، قناة يوتيوب علميّة عن تكنولوجيا الحاسوب التي نتعامل معها في حياتنا اليوميّة

الخرائط الرقمية

22/11/2019


تمهيد

في عام 2009 بدأت أبل، إحدى أغنى الشركات في العالم، تطوير تطبيق خرائط لمنافسة جوجل مابس و قامت بإصداره بعد ثلاث سنوات في عام 2012. النتيجة كانت سيئةً جداً، ,فالخرائط كانت تحوي الكثير من الأخطاء مثل معالم في غير مكانها و أسماء خاطئة للمعالم. على سبيل المثال، خرائط أبل أظهرت مطاراً في مكان ليس فيه مطار في إيرلندا، مما دفع الحكومة الإيرلندية لتحذير الطيارين من إستعمال التطبيق. كل هذه المشاكل أجبرت رئيس أبل على إصدار رسالة إعتذار، و لأن المسؤول عن تطوير البرنامج رفض التوقيع على هذه الرسالة فقد تم طرده من الشركة. هذه القصة تظهر مدى تعقيد أنظمة الخرائط الرقمية التي يعتمد عليها الملايين من الأشخاص و الشركات يومياً، حتى أن شركةً تمتلك قدرات و إبداع أبل واجهت صعوبة في بناء تطبيق للخرائط.

مقدمة

للخرائط الرقمية تاريخ قديم، لكن الإنترنت وخاصة الأجهزة المحمولة أدت إلى زيادة هائلة في انتشارها. من أوائل الشركات في هذا المجال MapQuest، ثم ظهر بعدها جوجل مابس (المبنية على تقنية اشترتها جوجل). وكما ذكرنا في البداية، فإن أبل تحاول ان تستدرك وضعها في السوق في هذا المجال. كذلك يوجد مشاريع غير ربحية (تطوعية) من أبرزها مشروع OpenStreetMap والذي سوف نتحدث عنه بشيءٍ من التفصيل؛ لأنه يتيح لنا النظر وراء الكواليس لفهم كيفية عمل الخرائط الرقمية.

الخرائط الرقمية تتطلب كمّاً هائلاً من المعلومات المفصلة حتى تكون ذات فائدة للمستخدم؛ مثل هل الطريق مخصص للسيارات أم للمشاة؟ ما السرعة القصوى المسموح بها في هذا الطريق ؟ هل الطريق مغلق؟ هل الحركة فيه باتجاه واحد أم باتجاهين؟

مثلا لو طلبنا إرشادات للإنتقال من تونس العاصمة الى جزيرة صقلية، فإن جوجل مابس سوف تنبهنا لضرورة استخدام عَبَّارة لعبور البحر. إضافةً لوجود حدود دولية بين تونس و صقلية في إيطاليا. والوضع مشابه إذا أردنا الانتقال من لندن الى باريس بالسيارة مثلا، فإن جوجل مابس تعرف انه يلزمنا استخدام حاملة سيارات لقطع القناة الإنجليزية.

التمثيل الرقمي للخرائط

السؤال، كيف يقوم الحاسوب بتمثيل هذا الكم الهائل من المعلومات؟ لحسن الحظ، فإن مشروع OpenStreetMap القائم على التطوع، يسمح لنا بالاطلاع على هذه التفاصيل. إذا فتحنا الموقع و ضغطنا على "طبقات" (Layers) ثم اخترنا "بيانات الخريطة" سنرى كيف يتعامل الحاسوب مع الخرائط.

دعونا نركز على تونس العاصمة كمثال. أهم مفهوم في الخريطة الرقمية هو العقدة أو النقطة التي تتميز أن لها إحداثيات طول و عرض تمثل موقعها بالضبط على الكرة الأرضية. هنا مثلا يوجد عقدة تمثل مكان بنك تونس العربي الدولي. العقدة لها إحداثيات، إضافة الى مجموعة من البيانات مثل طبيعة المكان (بنك كما هو في هذا المثال)، و اسمه بأكثر من لغة.

العنصر الثاني المهم في الخريطة هي الطرق و المسارات التي تمكننا من التنقل بين الاماكن. دعونا نركزعلى شارع ابن الجزار (أو نهج ابن الجزار باللهجة التونسية). لو نظرنا إلى بيانات الخريطة، سنلاحظ أن الشارع يقابله "طريق". الطريق يقابله عدد من البيانات مثل كونه شارعاً سكنياً ، واسمه بعدة لغات. و لكن كيف يتم وصف موقع شارع على الكرة الأرضية؟ في الحقيقة الحاسوب ينظر للشارع على أنه سلسلة من الخطوط المستقيمة الّتي تربط عقد، لكل عقدة إحداثياتها بالنسبة للكرة الأرضية (كما ذكرنا قبل قليل عن بنك تونس العربي). فمثلا شارع ابن الجزار مكون من ٥ عقد، لكل عقدة إحداثياتها. فالعقد هي أبسط مفهوم في الخريطة، وهي تقابل إما نقاط لها أهمية في ذاتها مثل بنك أو مدرسة….، أو تستخدم كوسيلة لوصف الطرق.

يوجد العديد من البيانات التي يمكن أن ترتبط بطريق. فمثلا، من الممكن أن نصف طريقاً بأن الحركة فيه مسموحة باتجاه واحد، و هذا شيء مهم جداً لإرشادات القيادة حتى لا نتسبب بسيارات تمشي بعكس اتجاه السير (هذه من المشاكل التي واجهت أبل مثلا). ومن البيانات أيضاً هل الطريق بري أو بحري؟ تذكروا أن كلمة طريق لا تعني شارعاً للسيارات فقط، و إنما يمكن أن يكون مساراً للمشاة أو الدراجات الهوائية أو السيارات أو القوارب و غيرها.

قد يلزم أحياناً تمثيل الشارع الواحد بأكثر من طريق مترابط. هنا شارع السرعة القصوى في الجزء المنعطف منه 60كم/س وتصبح 80كم/س في الجزء المستقيم، لذلك يلزم تمثيله بطريقين كل طريق لها سرعة قصوى مختلفة.

إرشادات القيادة

بعد ان يصبح لدينا تمثيل رقمي للخريطة، سوف نتمكن من استخدامها في برامج لأغراض مختلفة أهمها إرشادات القيادة. المشكلة هنا هي كيف يمكن للحاسوب، (وبسرعة عالية) حساب أفضل مسار للانتقال من مكان لآخر؟ عدد الطرق الممكنة للتنقل بين نقطتين لانهائي، لكن أغلبها غير منطقي . المشكلة أن الحاسوب لا يميز بين المنطقي و غير المنطقي. و إذا عدَّد الحاسوب كل الطرق الممكنة، فسوف تستغرق العملية - حساب ارشادات القيادة - أكثر من ساعة لحساب أفضل مسار. السر هو حساب أفضل طريق بدون تعداد كل الطرق الممكنة. للمهتمين بالتفاصيل، بإمكانكم مشاهدة مثال أعددناه عن عمل خوارزمية، اسمها خوارزمية ديكسترا، لإيجاد أقصر طريق بين نقطتين في خارطة -- الرابط موجود في وصف الحلقة في الأسفل.

يعتمد البريد و خدمات التوصيل على الخرائط الرقمية ولكن هذه الشركات هدفها ليس الانتقال بين نقطتين فقط و إنما الانتقال بين مجموعة من النقاط أو العناوين لتوصيل الرسائل و الطرود. بالإضافة الى الربح و الّذي يمكن ترجمته بتوصيل الشاحنة الواحدة لأكبر عدد من الطرود بأقل وقت، وبأقل استهلاك للوقود. بدون الدخول في التفاصيل، الناس لاحظ الناس أن هذه البرامج مثلا تفضل الإلتفاف لليمين على الإلتفاف لليسار لأن الالتفاف لليسار يتطلب قطع شارعين، و بالتالي يستغرق وقتاً ووقوداً أكثر. قد لا تكون الطريق المقترحة هي الأقصر، ولكن الهدف هو الأسرع و الأكثر كفاءة، وليس بالضرورة الأقصر.

المساهمة في OpenStreetMap

دعونا نعود الى تطبيق OpenStreetMap، من الجميل أن باستطاعة أي شخص تعديل البيانات الموجودة فيه. فإذا لاحظت أن بعض شوارع أو معالم مدينتك غير موجودة، فبإمكانك أن تضيفها. وكذلك إذا إكتشفت خطأً فبإمكانك أن تصححه بنفسك.

ازدحام الطرق و الأماكن

من المزايا المفيدة التي توفرها جوجل مابس هي حالة الطريق، و إظهار أماكن إزدحام السير. لكن كيف تعمل هذه الخاصية؟

عندما تستخدم تطبيق جوجل مابس فإن جهازك يعرف موقعه بالضبط من خلال الـGPS و يشارك جوجل هذه المعلومة باستمرار بواسطة الانترنت. من خلال مراقبة موقعك و مواقع السيارات الأخرى في الشارع فإن جوجل تحدد سرعة كل سيارة، و بإمكانها أن تعرف إذا كانت السيارات تسير بالسرعة العادية لهذا الشارع أو بسرعة أقل لوجود ازدحام او حفريات مثلاً.

بنفس الطريقة فإن جوجل تراقب أعداد مستخدمي جوجل مابس في مكان معين مثل مول او نادي رياضي لتحديد أوقات الإزدحام.

خاتمة

لقد أحدثت الخرائط الرقمية ثورة في مجال المواصلات. فهناك تقديرات أن هذه الخرائط مسؤولة عن مبيعات تقدر بتريليون دولار سنويا. و أنها توفر على البشرية 21 مليون ساعة من المواصلات سنويا، و تقلل من الوقت اللازم للاستجابة لحالات الطوارئ بـ20٪ في بعض البلدان.