شعار العنصر 14

العنصر 14، قناة يوتيوب علميّة عن تكنولوجيا الحاسوب التي نتعامل معها في حياتنا اليوميّة

الشخصنة

03/01/2020


تمهيد

أصبحت محركات البحث مثل جوجل، ومايكروسوفت (بنج) ومواقع التواصل الإجتماعي مثل فيسبوك، وتويتر ويوتيوب جزءً هاماً من حياتنا اليومية. فمثلاً: يستقبل محرك بحث جوجل 17 مليار طلب بحث في الشهر الواحد من مستخدمي الولايات المتحدة الأمريكية فقط. كما تخدم منصة فيسبوك ما يقارب من 2 مليار شخصاً فعالاً شهرياً.

في تجربة أجراها مؤلف كتاب (The Filter Bubble: What The Internet Is Hiding From You)، طلب من اثنين من أصدقائه، سكوت ودانيال، استخدام محرك بحث جوجل، للبحث عن كلمة 'مصر' خلال الثورة المصرية. كانت نتائج البحث لأحد الصديقين عبارة عن صفحات عن السياحة والأماكن السياحية في مصر. بينما كانت للآخر صفحات عن الوضع السياسي في مصر! كما لاحظ الكاتب نفسه، أن منشورات وتعليقات أشخاص يميني التوجه لم تعد تظهر أمامه على منصة فيسبوك لأنه نادراً ما يتفاعل معها؛ حيث أنه يساري التوجه ويتفاعل أكثر مع صفحات اليسار. فقرر فيسبوك بالنيابة عنه، أن تلك المنشورات ليست مناسبة له.

مقدمة

التشخيص (الشخصنة): هي عبارة عن إضفاء طابع شخصي على ما تحصل عليه من نتائج عند القيام بعملية بحث على الإنترنت من خلال محركات البحث مثل: جوجل ،أو مايكروسوفت بنج، أو ما تراه على منصات التواصل الإجتماعي مثل فيسبوك، وتويتر، ويوتيوب.

فلنفرض أن شخصاً ما يعيش في ألمانيا ويسافر كثيراً ، قام بالبحث عن كلمة 'مصر' باستخدام محرك البحث جوجل ؛في الغالب، سيكون مهتماً في مصر كدولة سياحية ولن يكون مهتماً بالوضع السياسي أو الاقتصادي فيها. يأخذ محرك البحث هذه المعلومة في الحسبان ليُرجع له صفحات توافق ما في باله. وفي دراسة، لاحظ القائمون عليها أن 11.7% من نتائج بحث محرك جوجل بالمتوسط تكون مشخصنة . و 15.8% تكون مشخصنة على محرك بحث بنج - تابع لشركة مايكروسوفت.

تستخدم منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك، وتويتر، ويوتيوب، التشخيص (الشخصنة) بشكل كبير؛ فالمنشورات التي تراها (news feed) على منصة فيسبوك أو تويتر ليست مرتبة بناءً على الوقت وإنما بطريقة مشخصنة تناسب توجهاتك؛ حتى تحفزك على التفاعل.

فوائد الشخصنة

إضفاء طابع شخصي لنتائج البحث له عدة فوائد، منها: أولاً: إزالة الغموض؛ فمثلاً: كلمة "العين" لها أكثر من معنى. من الممكن أن يكون المستخدم (أ) مهتماً ب"العين" التي هي عضو في جسم الإنسان. بينما قد يكون مستخدم آخر يبحث عن "العين" التي هي مدينة في دولة الإمارات. هنا يكون التشخيص، بناءً على ملف المستخدم، سيقرر ما هو المعنى الذي يبحث عنه كلاً منهما. ثانياً: تكييف نتائج البحث حسب قدرة أو سمات المستخدم: كالصفحات التي تناسب عمراً أو مستوىً تعليمياً معيناً.

ثالثاً: الـ localization فمثلاً: لو أن شخصاً من القاهرة يبحث عن 'بيتزا'، وآخر من بيروت، فالقاهري سيظهر له محلات البيتزا في القاهرة. أما الآخر فسوف يسفر بحثه عن قائمة محلات البيتزا في بيروت. تزيد النقاط الثلاث مجتمعة من رضا المستخدم عن محرك البحث، وتشعره أنه يفهمه!

مصادر التشخيص

التشخيص على محركات البحث له عدة مصادر، أولاً: سمات المستخدم: كعمر المستخدم، وجنسه، ومستوى دخله، ومستوى تعليمه، ودينه وغيره. ثانياً: سلوك المستخدم: كسجل البحث للمستخدم (ما بحث عنه من قبل)، والصفحات التي زارها، والوقت الذي قضاه المستخدم على صفحة معينة، ...الخ.

بالنسبة لمنصات التواصل الاجتماعي، فالتشخيص يعتمد على ملفات التواصل الاجتماعي وما تحتويه من معلومات مثل: سمات المستخدم، وتغريداته، والمنشورات التي أعجبته، والمنشورات التي ينشرها، المنشورات التي يقضي وقته عليها ويتفاعل معها. بالإضافة إلى ملفات الأصدقاء.

من هذه المصادر مجتمعة يتم بناء ملف للمستخدم، حيث أن محركات البحث و مواقع التواصل الاجتماعي تمتلك معلومات ضخمة عن المستخدم من عمره لدينه، لهواياته، لتوجهه السياسي. يستخدم هذا الملف بعد ذلك للتشخيص.

طرق بناء التشخيص في محركات البحث

سنتكلم عن طريقتين لكيفية بناء التشخيص في محركات البحث. الأولى Personalized PageRank. سبق وتكلمنا في حلقة سابقة عن PageRank وكيف أنه كان السبب في تفوق جوجل على باقي محركات البحث. النسخة الاصلية من PageRank كانت عامة حيث أنها تقيم صفحات الإنترنت بشكل عام فمثلاً صفحة مثل البي بي سي ستأخذ تقييماً عالياً.

النسخة المشخصنة من PageRank تقيم صفحات الإنترنت بالنسبة لمستخدم معين، مثلاً أحمد. فلنفرض أن أحمد محباً للرياضة ويقضي وقته على صفحات الرياضة، فالنسخة المشخصنة من PageRank ستُعطي تقييماً عالياً لصفحات الرياضة بالنسبة لأحمد. وكنتيجة، فإن هذه الصفحات ستأخذ تقييماً أعلى من الصفحات الأخرى. وبالتالي فإن محرك البحث سيفضل هذه الصفحات عندما يقوم أحمد بالبحث عن شئ له علاقة بالرياضة.

الطريقة الثانية أن يقوم محرك البحث بإضافة بعض الكلمات لعبارة المستخدم المستخدمة في البحث. الكلمات المضافة مأخوذة من ملف المستخدم مثلاً، كلمات سابقة بحث عنها المستخدم أو موقعه. وبعد أن يتم إضافة كلمات خاصة بالمستخدم يتم إرسالها لمحرك البحث وإرجاع النتائج للمستخدم. فمثلاً، لو أن شخصاً يعيش في القاهرة، قام بالبحث عن 'بيتزا' فسيتم إضافة كلمة القاهرة حيث أن عبارة البحث ستصبح: "بيتزا القاهرة".

الإعلانات

من خلال كمية المعلومات التي تملكها محركات البحث وشبكات التواصل الاجتماعي فأنت ستكون هدف للإعلانات الممولة؛ خلال الانتخابات الأمريكية الأخيرة، أنفق المدير الرقمي لحملة ترامب ما يقارب من 100 مليون دولار، حيث أنه استغل منصة فيسبوك لصناعة إعلانات موجهة للشعب الأمريكي. تلك الإعلانات استغلت كمية المعلومات الضخمة التي تملكها فيسبوك عن مستخدميها لإيصال رسائل موجهة، ساعدت ترامب في الفوز.

المخاوف والأخطار

مصطلح تأثير الفقاعة - filter bubble effect - طرح في كتاب The Filter Bubble: What The Internet Is Hiding From You وهو أن محركات البحث أو منصات التواصل الاجتماعي تقرر بالنيابة عنك ما يناسبك. وبالتالي، أنت لا تعلم لماذا أظهر لك محرك البحث بعض الصفحات وأخفى أخرى. وأيضاً أنت لا تعلم أبداً ما هي الصفحات التي أخفاها لاعتقاده أنك غير مهتم بها. يحدث الأمر نفسه على فيسبوك و تويتر.

وكنتيجة، فأنت تعيش داخل فقاعة، حيث ترى الأمور التي يعتقد محرك البحث ومواقع التواصل أنها تناسبك بناء على ملفك الشخصي. فلو أنك من أصحاب فكر معين أو تيار سياسي معين وتتابع أصحاب هذا الفكر أو التيار من خلال صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي وتتفاعل مع منشوراتهم، فستحاول المنصة أن توريك أخبار هذا الفكر وتبعد عنك أي شئ مخالف.

في الدراسة السابقة، لوحظ أن أكثر الجمل التي تشخصن، سواءً على محرك بحث جوجل أو بنج، متعلقة بأمور سياسية. بالإضافة إلى أمور أخرى متعلقة بالتوطين (localization).

أحد المخاوف الأخرى من الشخصنة؛ هي الخصوصية (privacy)، يعرف محرك البحث الكثير من سماتك الشخصية، فكرك، توجهك السياسي ... الخ. وبالتالي من الممكن أن تُستغل هذه البيانات بطريقة قد تضرك، خاصةً إذا ما وقعت في الأيدي الخطأ. سنتكلم في حلقة قادمة عن الخصوصية بنوع من التفصيل، وعن طرق تمكنك من حماية بياناتك الشخصية.