شعار العنصر 14

العنصر 14، قناة يوتيوب علميّة عن تكنولوجيا الحاسوب التي نتعامل معها في حياتنا اليوميّة

GPS: كيف يحدد مكاننا

31/01/2020


تمهيد

أي شخص تعامل مع تطبيقات مثل (Google Maps) ،(Apple Maps)، كريم، و أوبر يعرف أهمية الـ GPS لتحديد موقعنا. قدرتنا كمدنيين على استخدام إشارات GPS من الأقمار الصناعية ترتبط بحادثة مأساوية؛ ففي الأول من أيلول/سبتمر 1983 كانت رحلة الطيران الكوري رقم 007 متجهة من نيويورك إلى سيول، عاصمة كوريا الجنوبية من خلال انكوراج في ألاسكا. (طبعا في سنة 1983 كانت الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي وأمريكا في أوجها، وكل طرف كان يخشى من هجوم الطرف الآخر عليه). كان من المفروض أن يكون مسار الطائرة من فوق اليابان (بالرغم من أنه ليس أقصر مسار) وذلك لتجنب المجال الجوي السوفيتي، الذي كان يحظر عليها استخدامه. بسبب قصور في نظم الملاحة والتوجيه المستخدمة في حينه، حادت الطائرة عن مسارها ودخلت المجال الجوي السوفيتي. الجيش السوفيتي أسقط الطائرة، ومات 269 شخصاً في الحادث . بعد أسبوعين من الحادث، أعلنت الحكومة الأمريكية أن نظام GPS، الذي كان متاحاً للاستخدام العسكري فقط في ذلك الوقت، سيتم فتحه للاستخدام المدني؛ لزيادة دقة أنظمة الملاحة، وتحسين تغطيتها لكل الكرة الأرضية. اليوم كلنا نستعمل نظام GPS في هواتفنا النقالة فكيف يعمل GPS؟

مقدمة

في حلقة سابقة تكلمنا عن الخرائط الرقمية، وكيف أن المزايا التي توفرها هذه الخرائط تعتمد اعتماداً أساسياً على لواقط GPS الموجودة في هواتفنا المحمولة لتحديد أماكنها بدقة. حالياً، نظام GPS (نظام التموضع العالمي Global Positioning System) يعتمد على 31 قمراً صناعياً يستقبل هاتفك الخلوي منها مباشرة. هذه الأقمار الصناعية تمتلكها الحكومة الأمريكية، و يديرها سلاح الجو الأمريكي. و سوف نتطرق لاحقاً لسبب أهمية هذه المسألة.

حتى يتمكن الهاتف المحمول من تحديد مكانه، يجب أن يستقبل إشارات من 4 أقمار صناعية على الأقل، وهذه الإشارات تضعف في حال وجود الغيوم ، أو في الأماكن التي تكثر فيها المباني؛ لذلك، فإن أجهزتنا عادةً تحاول أن تستقبل من 6 أقمار بدل 4. من المهم جداً أن ننتبه إلى أن أجهزتنا لا ترسل للأقمار الصناعية، بل العكس، فالأقمار الصناعية هي التي ترسل الإشارات وأجهزتنا تستقبلها، مثل جهاز الراديو!

كيف تحدد أجهزتنا مكانها باستعمال الأقمار الصناعية؟ ولماذا يلزم ٤ أقمار على الأقل؟ الطريقة اسمها (trilateration) وتعتمد على مبادئ بسيطة جداً. فلنبدأ بمثال بسيط. لو فرضنا وجود شخصين: سلوى وريم. لوكنت أعرف مكان سلوى وعلمت أن ريم تبعد مسافة 3 متر عن سلوى، فهل يمكن أن أحدد مكان ريم؟ ريم ممكن أن تكون هنا، أو هنا، أو هنا، أو هنا. كل هذه نقاط تبعد 3 متر عن ريم. إذاً يمكن أن أحدد دائرة نصف قطرها ٣ متر ممكن أن تكون ريم في أي مكان على محيط هذه الدائرة. طبعاً نحن افترضنا أن العالم ببعدين، لو تعاملنا مع عالم ثلاثي الأبعاد فإن ريم من الممكن أن تكون 3 متر فوق الأرض أو تحت الأرض، فبدل الدائرة سيكون عندنا كرة. لكن سنظل نفترض أن العالم ببعدين فقط؛ لنسهل على أنفسنا الرسم.

آلية عمل GPS

أقمار GPS في حركة مستمرة حول الكرة الأرضية، وتعرف موقعها في كل لحظة وتعرف الوقت بشكل دقيق جداً. دعونا نأخذ القمر الصناعي في لحظة معينة - كأنه ثابت. القمر الصناعي يرسل إشارة فيها: مكانة، الذي يتم تمثيله من خلال إحداثيات س، ص، ع و الوقت الحالي

هذه الإشارة هي إشارة كهرومغاطيسية مثل الضوء أو إشارة الراديو، وتتحرك بسرعة الضوء (تقريبا 300000كم/الثانية). عندما يلتقط لاقط GPS في الهاتف الإشارة يعرف مكان القمر، ويعرف الزمن الذي استغرقته الرسالة؛ وذلك من خلال فرق الوقت بين لحظة بث الاشارة من القمر الصناعي واستقبالها في الهاتف المحمول، باستعمال ساعة الهاتف. المسافة التي قطعتها الإشارة = سرعة الإشارة x الزمن الذي استغرقته. السرعة كما ذكرنا هي سرعة الضوء، والزمن هو فرق الزمن بين لحظة إرسال الرسالة من القمر الصناعي واستقبالها في الهاتف المحمول. وهكذا نعرف المسافة بين القمر الصناعي والهاتف. وكما رأينا في مثال ريم و سلوى، فإن معرفة المسافة عن نقطة ما لا تعطينا المكان بالضبط، وإنما يحدد دائرة يمكن أن نكون في أي مكان على محيطها.

هنا يأتي دور الأقمار الصناعية الأخرى. لو أضفنا قمراً صناعياً آخر، لتمكنا من تحديد دائرة جديدة مركزها القمر الصناعي الجديد. وهكذا نقلص إحتمال مكان وجودنا من أي نقطة على محيط الدائرة الأولى لنقطتين فقط هما نقاط تقاطع الدائرتين (رياضيًا، يستحيل تقاطع دائرتين في أكثر من نقطتين). طبعاً مكان وجودنا هو نقطة واحدة فقط من هاتين النقطتين، والنقطة الثانية غير صحيحة. اضافة قمر صناعي ثالث يحل المشكلة نهائيا. فثلاث دوائر حول ثلاثة أقمار صناعية، يستحيل أن تتقاطع في أكثر من نقطة واحدة (رياضيًا، ثلاث دوائر يستحيل أن تلتقي في أكثر من نقطة واحدة).

لماذا 4 أقمار؟

إذاً رأينا كيف أنه بـ3 أقمار صناعية من الممكن أن نحدد مكاننا. لكن في بداية الحلقة قلنا إنه يلزم 4 أقمار وليس 3 فلماذا القمر الرابع؟ المشكلة هي حساب الوقت. كنا قلنا أنه يمكن أن نحسب الزمن اللازم لانتقال الإشارة من القمر الصناعي بالاعتماد على الفرق بين الوقت في القمر الصناعي وبين هاتفنا. القمر الصناعي يستعمل ساعة ذرية، لذا فساعته دقيقة جدا. بالمقابل، الساعة في هواتفنا ليس لها نفس الدقة وخطأ بـ10 نانو ثانية يؤدي الى خطأ حتى 3 متر في تحديد موقعنا. (النانو ثانية: هي واحد على مليار من الثانية). اضافة قمر صناعي رابع يسمح بتحديد الوقت بشكل دقيق بدون الإعتماد على الساعة في هواتفنا. بدون الدخول في التفاصيل يوجد في الوصف رابط للنموذج الرياضي الذي يسمح لنا بتحديد الموقع بـ4 أقمار.

بإمكانكم تتبع أماكن أقمار GPS باستخدام مواقع متخصصة تجدونها في صندوق الوصف. إضافة لذلك يوجد تطبيقات تسمح لك برؤية الأقمار الصناعية التي يستقبل منها هاتفك. وضعنا روابط لها في الوصف.

أنظمة بديلة لِـ GPS

تمتلك الحكومة الأمريكية أقمار GPS ولديها القدرة على التحكم فيها. في سنة 1999 حدت من قدرة الجيش الهندي على استخدامه لمنظومة GPS كوسيلة ضغط على الهند في حرب قصيرة بينها وبين الباكستان؛ لذلك قررت العديد من الدول أن تنشىء أنظمة بديلة عن GPS

أبرز هذه الأنظمة البديلة: نظام جاليليو الذي أطلقه الاتحاد الأوروبي. كذلك نظام GLONASS الروسي .والصين تمتلك نظامها الخاص منذ عام 2000. هذه الأنظمة تغطي العالم كاملا. بالمقابل الهند واليابان عندها أقمار صناعية خاصة فيها، لكن تغطية هذه الأقمار محلية (محصورة بدولها).

استخدامات GPS

أصبحت لواقط GPS رخيصة جداً في الوقت الحالي، مما جعلها توظف في عدة مجالات. في مجال الرياضة كما في شركات (PlayerTek) و (statsports) حيث توفر منتجات لتحليل أداء اللاعبين بالاعتماد على GPS. كما أصبح بإمكان الأشخاص العاديين أن يقتنوا ساعات ذكية لتتبع تمارينهم الرياضية. كذلك في مجال تربية المواشي، حيث أن شركات مثل (moovement) عندها حلول تمكن عدداً قليلاً من المزارعين من إدارة قطعان كبيرة تضم آلاف الحيوانات بجهد قليل.